فصل: تفسير الآية رقم (128):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض} قال: هم المنافقون.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد} كراهية أن يغصنا بها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد} ممن سمع خيركم رآكم أحد أخبره إذا نزل شيء يخبر عن كلامهم وهم المنافقون.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة، فإن قومًا انصرفوا صرف الله قلوبهم، ولكن قولوا: قضينا الصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: لا يقال انصرفنا من الصلاة، ولكن قد قضيت الصلاة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)}
تَقَنَّعوا بِخمارِ التلبيس ظانِّين أنهم يبقون في سِرٍّ بتكلفهم، والحقُّ أَبى إلا أن فَضَحَهم، وكما وَسَمَهم برقم النَّكَرَة أَطْلَعَ أسرارَ الموحِّدِين على أحوالهم فعرفوهم على ما هم عليه من أوصافهم. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}
فأخبر سبحانه عن فعلهم وهو الانصراف وعن فعله فيهم وهو صرف قلوبهم عن القرآن وتدبره لأنهم ليسوا أهلا له فالمحل غير صالح ولا قابل فإن صلاحية المحل بشيئين حسن فهم وحسن قصد وهؤلاء قلوبهم لا تفقه وقصودهم سيئة وقد صرح سبحانه بهذا في قوله ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون فأخبر سبحانه عن عدم قابلية الإيمان فيهم وأنهم لا خير فيهم يدخل بسببه إلى قلوبهم فلم يسمعهم سماع إفهام ينتفعون به وإن سمعوه سماعا تقوم به عليهم حجته فسماع الفهم الذي سمعه به والمؤمنون لم يحصل لهم ثم أخبر سبحانه عن مانع آخر قام بقلوبهم يمنعهم من الإيمان لو أسمعهم هذا السماع الخاص وهو الكبر والتولي والإعراض فالأول مانع من الفهم والثاني مانع من الإنقياد والإذعان فإفهام سيئة وقصود ردية وهذه نسخة الضلال وعلم الشقاء كما أن نسخة الهدى وعلم السعادة فهم صحيح وقصد صالح والله المستعان وتأمل قوله سبحانه: {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم} كيف جعل هذه الجملة الثانية سواء كانت خبرا أو عادة عقوبة لانصرافهم فعاقبهم عليه بصرف آخر غير الصرف الأول فإن انصرافهم كان لعدم إرادته سبحانه ومشيئته لإقبالهم لأنه لا صلاحية فيهم ولا قبول فلم ينلهم الإقبال والإذعان فانصرفت قلوبهم بما فيها من الجهل والظلم عن القرآن فجازاهم على ذلك صرفا آخر غير الصرف الأول كما جازاهم على زيغ قلوبهم عن الهدى إزاغة غير الزيغ الأول {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} وهكذا إذا أعرض العبد عن ربه سبحانه جازاه بأن يعرض عنه فلا يمكنه من الإقبال عليه ولتكن قصة إبليس منك على ذكر تنتفع بها أتم انتفاع فإنه لما عصى ربه تعالى ولم ينقد لأمره وأصر على ذلك عاقبة بأن جعله داعيا إلى كل معصية فعاقبه على معصيته الأولى بأن جعله داعيا إلى كل معصية وفروعها صغيرها وكبيرها وصار هذا الإعراض والكفر منه عقوبة لذلك الإعراض والكفر السابق فمن عقاب السيئة السيئة بعدها كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها فإن قيل فكيف يلتئم إنكاره سبحانه عليهم الانصراف والإعراض عنه وقد قال تعالى: {فأنى يصرفون} و{أنى يؤفكون} وقال: {فما لهم عن التذكرة معرضين} فإذا كان هو الذي صرفهم وجعلهم معرضين ومأفوكين فكيف ينفي ذلك عليهم قيل هم دائرون بين عدله وحجته عليهم فمكنهم وفتح لهم الباب ونهج لهم الطريق وهيأ لهم الأسباب فأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ودعاهم على السنة رسلة وجعل لهم عقولا تميز بين الخير والشر والنافع والضار وأسباب الردي وأسباب الفلاح وجعل لهم أسماعا وأبصارا فآثروا الهوى على التقوى واستحبوا العمى على الهدى وقالوا معصيتك آثر عندنا من طاعتك والشرك أحب إلينا من توحيدك وعبادة سواك أنفع لنا في دنيانا من عبادتك فأعرضت قلوبهم عن ربهم وخالقهم ومليكهم وانصرفت عن طاعته ومحبته فهذا عدله فيهم وتلك حجته عليهم فهم سدوا على أنفسهم باب الهدى إرادة منهم واختياره فسده عليهم اضطرارا فخلاهم وما اختاروا لأنفسهم وولاهم ما تولوه ومكنهم فيما ارتضوه وأدخلهم من الباب الذي استبقوا إليه وأغلق عنهم الباب الذي تولوا عنه وهم معرضون فلا أقبح من فعلهم ولا أحسن من فعله ولو شاء لخلقهم على غير هذه الصفة ولأنشأهم على غير هذه النشأة ولكنه سبحانه خالق العلو والسفل والنور والظلمة والنافع والضار والطيب والخبيث والملائكة والشياطين والشاء والذياب ومعطيها آلاتها وصفاتها وقواها وأفعالها ومستعملها فيما خلقت له فبعضها بطباعها وبعضها بإرادتها ومشيئتها وكل ذلك جار على وفق حكمته وهو موجب حمده ومقتضى كماله المقدس وملكه التام ولا نسبة لما علمه الخلق من ذلك إلى ما خفي عليهم بوجه ما أن هو إلا كنقرة عصفور من البحر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (128):

قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبلغ هذه الأشياء الشاقة جدًا من أمر هذه السورة، وكان من المعلوم أنه لا يحمل ذلك إلا من وفقه الله تعالى، وأما المنافقون فيكرهون ذلك وكان انصرافهم دالًا على الكراهة، عرفهم أن الأمر كان يقتضي توفر دواعيهم على محبة هذا الداعي لهم المقتضي لملازمته والبعد عما يفعلونه به من الانصراف عنه، وأن أحواله الداعية لهم إلى محبته أعظم من أحوال آبائهم التي أوجبت لهم منهم من المحبة وعليهم من الحقوق ما هم مفتخرون بالتلبس به والمغالاة فيه، وأن كل ما يحصل بهذا القرآن من العز والشرف في الدنيا فهو لكل من آمن به فقال: {لقد جاءكم رسول}.
ولما كان الرسول يجب إكرامه والوقوف في خدمته لأجل مرسله ولو تجرد عن غير ذلك الوصف، شرع يذكر لهم من أوصافه ما يقتضي لهم مزيد إكرامه فقال: {من أنفسكم} أي ترجعون معه إلى نفس واحدة بأنكم لأب قريب، وذلك أقرب إلى الألفة وأسرع إلى فهم الحجة وأبعد من المحل واللجاجة {عزيز} أي شديد جدًا {عليه ما عنتم} والعزة: امتناع الشيء بما يتعذر معه ما يحاول منه بالقدرة أو بالقلة أو بالصعوبة، والعنت: لحاق الأذى الذي يضيق الصدر به ولا يهتدي للمخرج منه {حريص} أي بليغ الحرص {عليكم} أي على نفعكم، والحرص: شدة طلب الشيء على الاجتهاد فيه، وقدم الجار لإفادة الاختصاص فقال: {بالمؤمنين} أي العريقين في هذا الوصف كافة خاصة، ولما ذكر الوصف المقتضي للرسوخ، قدم ما يقتضي العطف على من يتسبب له بما يقتضي الوصلة فقال: {رءوف} أي شديد الرحمة لمن له منه عاطفة وصلة لما تقدم من معنى الرأفة قريبًا.
ولما كان المؤمن يطلق مجازًا على من يمكن منه الإيمان فوصلته الآن ليست بالفعل بل الإمكان، قال تعميمًا لرحمته صلى الله عليه وسلم كما هو اللائق بشريف منصبه وعظيم خلقه: {رحيم} ولأجل مثل هذه الأغراض النفسية رتب سبحانه هذين الوصفين هكذا، ولكن المعاني المراده تارة يظهرها الله تعالى لعبده منحة له وإكرامًا، وتارة يخفيها إظهارًا لعجزه ونقصانه ثم يظهرها له في وقت آخر إن صدق في التضرع وإظهار الافتقار والتذلل وأدام الطلب، أو لغيره ممن هو أقل منه علمًا وأضعف نظرًا وفهمًا، وإذا تأملت كتابي هذا ظهر لك أن كثيرًا من الآيات فسرها على غير المراد منها قطعًا أكابر العلماء، فعلى الإنسان- إذا خفي عليه أمر- أن يقول: لا أعلم، ولا يظن أنه رتب شيء من هذا الكتاب العزيز لأجل الفواصل، فلذلك أمر لا يليق بكلام الله تعالى، وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم السجع، لأن الساجع يكونُ محطَ نظره الألفاظ، فيدير المعاني عليها ويتبعها إياها، فربما عجز اللفظ عن توفية المعنى؛ روى البخاري في الطب وغيره من صحيحه ومسلم في الديات وأبو داود والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة- رضى الله عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم من لاشرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك بطل؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما هذا من إخوان الكهان» من أجل سجعه الذي سجع، وفي رواية: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سجع كسجع الأعراب» وذلك- والله أعلم- أنه لو كان نظره إلى المعنى وتصحيحه لأغنى عن هذا السجع أن يقال: كيف أغرم من لاحياة له، ولوقصد السجع وتهذيب المعنى لأتى مما يدل على نفي الحياة التي جعلها محط أمره فإن ما أتى به لا يستلزم نفيها، ولو تقيد بالصحة لاغتنى بنفي النطق عن نفي الاستهلال، فصح بهذا أنه دائر مع تحسين اللفظ صح المعنى أم لا، وينطبع في عقل عاقل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يذم السجع وهو يأتي به ويقصده في القرآن أو في السنة، ولو كان ذلك لأسرعوا الرد عليه، وذكر أصحاب فتوح البلاد في فتح مكران من بلاد فارس أن الحكم بن عمرو لما فتحها أرسل بالأخماس مع صحار العبدي، فلما قدم على عمر- رضى الله عنهم- سأله عن مكران وكان لا يأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجيء منه فقال: يا أمير المؤمنين! أرض سهلها جبل، وماءها وشل وثمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها؛ فقال، أسجاع أنت أم مخبر؟ فقال: لا بل مخبر، قال: لاوالله! لا يغزوها جيش لي ما أطعت.
فقد جعل الفاروق السجع قسيمًا للخير فدل على أن التقيد به عيب لإخلاله بالفائدة أو بتمام الفائدة، ولعله إنما جوز أن يكون مخبرًا لنه انفك عن السجع في آخر كلامه وكرر لفظ قليل فكان ما ظنه، لأنه لو أراد السجع لأمكنه أن يقول والكثير بها ذليل، والقليل بها ضائع كليل، وما وراءها شر منها بأقوم قيل؛ وقد نفى سبحانه عن هذا القرآن المجيد تصويب النظر إلى السجع كما نفى عنه الشعر فإنه تعالى قال: {وما هو بقول شاعر قليلًا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلًا ما تذكرون} [الحاقة: 41، 42] فكما أن قول الشاعر إتيانه بالكلام موزونًا، فكذلك قول الكاهن إتيانه بالكلام مسجوعًا والقرآن ليس من هذا ولا من هذا.
وإن وقع فيه كل من الأمرين فغير مقصود إليه ولا معول عليه، بل لكون المعنى انتظم به على اتم الوجوه فيؤتي به لذلك، ثم تبين أنه غير مقصود بالانفكاك عنه في كثير من الأماكن بقرينة ليس لها مجانس في اللفظ لتمام المعاني المرادة عندها فيعلم قطعًا أن ذلك غير مقصود أصلًا لأن مثل ذلك لا يرضى به أقل الساجعين، بل يراه عجزًا وضيقًا عن تكميل المشاكلة ونقصًا- تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، ومما يوجب لك القطع بأن ترتيب هذين الاسمين الشريفين هكذا لغير مراعاة الفواصل قوله تعالى في سورة الحديد: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} [الحديد: 27] وسيأتي إن شاء الله في سورة طه عن الفخر الرازي والقاضي أبي بكر الباقلاني مَنَع النظر إلى السجع في الكتاب العزيز نقلًا عن جميع الأشاعرة، وإذا تأملت الفواصل في الإتيان بها تارة بكثرة وتارة بقلة، وتارة تترك بالكلية ويؤتى في كل آية بفاصلة لا توافق الأخرى، علمت أن هذا المذهب هو الصواب ولاسيما آخر سورة {اقرأ} وإذا تأملت كتب أهل العدد أتقنت علم هذا المستند، وإذا تأملت ما قلته في هذا النحو من كتابي مصاعد النظر للاشراف على مقاصد السور لم يبق عندك شك في شيء من هذا، فإياك ان تجنح لهذا القول فتكون قد وقعت في أمر عظيم وأنت لا تشعر، وأورد سبحانه هذه الآية إيراد المخاطب المتلطف المزيل لما عندهم من الريب بالقسم، فكأنه قال: ما لكم تنصرفون عن حضرته الشماء وشمائله العلى! والله لقد جاءكم- إلى آخره. اهـ.